التربية على الرفق

12 فبراير 2023آخر تحديث :
التربية على الرفق

بقلم : محمد حسيكي

التربية عنصر أساسي ومهد منهجي في الحياة البشرية، يتلقى الانسان مبادئها من بداية حياته مع الأم، ويمارسها بالمجال العام من تجارب حياته بالاحتكاك مع غيره، وكذلك الحيوانات الأليفة المعدلة تربويا، والتي تتكيف بالعيش مع الانسان من الاستخدام أو الأنس.

غير أن ما يميز التربية لدى الانسان أن ممارستها بالسلوك تفعل العقل، بينما ممارستها عند الحيوان، تحكمها الحاسة والترددات التواصلية مع بعضها، ويعدلها السلوك والعلاقة المروضة بالممارسة مع الانسان، عن طريق الألفة، أو الاستخدام .

ومن التربية من الصغر إلى الكبر، نشأت الألفة بين الانسان والحيوان، إذ الحيوان يستمد الألفة من علاقته وترويضه على يد الانسان، والحاسة مع جنسه وسلوكه من الحيوان، ومن الانسان جاء الرفق بالحيوان، كما جاء من الحيوان الاتكال في العيش على الانسان .

وتعتبر الاسرة مهد التربية الأولية لدى الانسان، بينما التربية الاساسية مسؤولية اجتماعية، أما الذاتية التي يصيب فيها الانسان وقد يخطئ، فتتجلى في الخصوصية .

بينما جانب التطور في تربية الحيوان، بالابتعاد عن الوحشية التي يكتسبها من علاقة الألفة مع الانسان، تتجلى في مدى التجاوب من الحيوان .

الاسرة والرفق :

العلاقة بين الانسان والحيوان، تقترب أكثر من بعضها بالوسط الطبيعي من الوسط القروي، ومن الحياة العملية بالأرياف داخل المدارات الحضرية .

ومن هذه البوابة الاجتماعية، نطرح رؤية الرفق بالحيوان من مبادئ الاسرة بالتربية، ورقابة المجتمع للمخالفين من الفضاء العام .

دور الاسرة في التربية :

من المرئي أن دور الاسرة في التربية على الحياة، حق طبيعي متوارث لدى الأحياء، كما عند الانسان، عند الحيوان، وأيضا عند النبات، باستثناء الكائنات التي تفقد حياتها الطبيعية عند الوضع، حيث عامل الوراثة، ينزع بالفرع نزعة الأصل، وكذلك الأحياء البرمائية، وليدة البرية من التربة، التي تنساق انسياق الفرع نحو الأصل .

وتقوم الثدييات بالتربية التمهيدية من فترة الرضاع، والجماعية من علاقة التكيف مع الوسط الاحيائي، والمجال الطبيعي .

غير أن للحياة البشرية، خصوصية، تتكيف مع عامل التطور والحركة داخل الاطار الزمني المتسارع، مع دورة الزمن الذي يشتغل منه .

ومن ثمة فالتربية لدى الانسان انتقالية، من الأم ذاتيا، إلى الأب روحيا، ثم المجتمع فضائيا، الذي تتفرع فيه التربية إلى تشعبات خاصة، يكتسبها الانسان من المجال البشري بالفضاء الدولي، المنفتح على الأحياء ومجالها، والطبيعة الكونية وعطاءاتها، وهو شيء ينفرد به الانسان عن الأحياء الأخرى، ومن كوكب الارض عن الكواكب الأخرى .

التربية على الرفق من الاسرة :

قبل الاحتكاك مع العامل البشري من الوسط الاجتماعي، يتلقى الانسان مهد تربيته من الوسط الأسري بالبيت، الذي تسود منه لوقتها العلاقة العائلية والاجتماعية، وإن أضحت الاسرة تأخذ ذاتيتها من العائلة والمجتمع، لتمدد العلاقة البشرية، من المحيط الاجتماعي إلى المحيط الدولي، ثم المحيط العالمي، الذي أصبح الفرد يجول فيه، كما يجول في مجتمعه، بل ويرتبط أسريا بعلاقة إنسانية من خارج المجتمع كما يرتبط مع أسرته ومجتمعه أو أكثر، إذ الزمن يتطور بالإنسان نحو الكونية على نهج العولمة التي تحل محل الوطن، وتجنح بالإنسان نحو الفضاء من محل التربة .

حياتي مع الرفق :

من مرجع العلاقة العائلية بين القرية والمدينة، وجدت أسرتي تتوفر على سكن من المدينة ومن القرية، التي تعتمد منها على دخلها العام، من اشتغالها بالزراعة البرية وتربية الحيوانات العاشبة .

كانت الاسرة تقضي أوقاتها بين المدينة والقرية، مما جعل الأبناء يتكيفون مع أجواء الحياة الحضرية والقروية، وهي حياة المغاربة عهد العيش داخل وسط المدن العتيقة، التي كان جل أهاليها حرفيون وزراعيون .

كانت أسرتي توزع وقتها السنوي بين عطلة الربيع السياحية، لتملي الرؤية بمباهج الطبيعة الغناء، وأهاليها التي تفيض حياتهم بتجدد الطلعة الصحية من أحوالهم، التي يستمدونها من مدار الطبيعة الغنية، التي تتغنى منها الارض بزهو نباتها وشدو عصافيرها، وقسمات الصحة والانشراح البادية على أهاليها .

في تلك الأجواء الربيعية، وقبل سن الانخراط في الصفوف المدرسية، كانت الاسرة تصحبني رفقتها في كل رحلاتها إلى القرية .

وبينما الأمهات يتجولن وسط حقول المزروعات، ويقطفن الورود البرية المختلفة الألوان والزكية الروائح، ويستجمعن الأعشاب الطبية، والحشائش البرية للحيوان، كانوا من رفقتهم يوجهونني من خطاي وسط الحقل، أن لا أطأ على نبات الزرع كي لا ينكسر، وهو على وشك انفتاح براعم السنابل والنضج بالإثمار .

وماهي إلا لحظات ابتهاج من النزهة، حتى صاحت جدتي من وسط الزرع، يا فرحتنا بالأرنب الصغير ! ثم انحنت عليه ورفعته بيديها وهي تردد مقبلة علي، ها هو للمرح مع طفلي الصغير .

وبعد ان استجمعن ورود الاقحوان وشقائق النعمان، واخريات عديدة الألوان، إلى جانب البقوليات والحشائش الطرية لصغار الحيوان، ركبن عربة الجر والعودة إلى البيت مصحوبين بالأرنب الصغير .

قضى الصغير الهادئ معنا اليوم والليل معزولا عن جوار أمه، وفي أيادي غير مألوفة لديه، لكنها أليفة من غير علمه، صائما لمفارقة امه، التي تكون قد أفزعتها حركة وضجيج الانسان الذي حل بالمكان، حيث اختفت هربا للنجاة من وطأة القادمين .

وبعد أن قضيت وقتا مرحا بتواجده، لمست فيه الهدوء والسكون بالمكان، حدثتني أمي وكما حالها، أن لا نعتدي عنه من صغره، وأن نعود به إلى وسط الحقل في اليوم الموالي، عسى أن نجد امه تتقصى المكان بحثا عنه، إلى أن يكبر في جانبها ويغدو قادرا على الممانعة من أي شيء قد يضر به .

ذاك ما فعلنا من اليوم التالي، وكما وجدناه هادئا، وضعناه بالمكان، حيث كان الفراق مع أمه من الفر، ويكون اللقاء بينهما عودة بالكرة إلى محل الفر، الذي افترقت منه رضيعها المتعثر الخطوات خارج خباء المرقد، حيث لا خطر بباله من البشر، وكذلك كان من يوم العودة، الذي ينجلي منه دفئ الحياة من بعد الفرقة .

الرفق من الوسط الاجتماعي :

خلال فترة الدراسة استمتعنا بالصورة وبالقراءة من سباق الأرنب والسلحفاة، ثم بأنشودة هروب الأرنب من الصياد، حين فتح لها من استأنست فيه الباب، وخلع عنها حياة الخلوة والفزع، وعوضها التغذية بالوفرة وهيئها لبيت الألفة، التي وجدت فيها المرتع الخصب والمسكن الآمن من المطاردة.

ومن الحياة الاجتماعية التي تسود منها المهرجانات الرياضية، عرفنا أرنب السباق، من العنصر البشري خلال المسابقات الرياضية، الحافلة بالجوائز الدولية .

وحين بلغنا السن من الرشد، تعلمنا بعد التربية من البيت والمدرسة، والحياة الاجتماعية الرفق بالحيوان، كان شريكا في العمل، أو طليقا من الطبيعة، وهكذا ما كانت الأيام تمضي، ونحن من وقت الزوال خروج من الدراسة، مترجلين نحو بيوتنا من الطريق العام، حتى استوقفنا سد بشري في حلقة من المتجمهرين، حول غضب وشجب لأعضاء من جمعية الرفق بالحيوان، أوقفوا سائقا عربة للذواب، تجر بالشارع العام حمولة البضائع من السوق المركزي للخضر، نحو محلات التوزيع المتفرقة بالأحياء .

كان سائقو العربة متجاوزين القدر في الحمولة، ومتشددين في استعمال السياط نحو الذواب، التي تعاني من الحمولة ومن السياط، مما جعل المدافعين عن الحيوان، يستوقفون العربة ويسحبون السياط من أيدي سائقي الذواب، وهم يستنكرون بالاحتجاج الصارخ الاستخدام المفرط في الحمولة، والقساوة في الضرب على جلود الحيوان .

كان الطرفان يوحدهم الموضوع، ولا يجمعهم منطق اللسان من اللغة، هم يتكلمون أوروبي، والمستخدمين دارجين على اللسان المحلي .

وماهي إلا لحظات من وقت، حتى حضر شرطي الطريق إلى عين المكان، حيث أمر المستخدمين بالنقص والتخفيف من الحمولة، بتجزئتها جانب الرصيف، وتوصيلها إلى وجهتها عبر رحلتين .

بينما قام عضوا جمعية الرفق، بتبليغ المستخدمين عن طريق الشرطي، بعد توزيع البضائع القدوم بالذواب إلى مستشفى الحيوانات، لتمتيع الدابتين بخمسة عشر يوما للراحة والتطبيب، من كدمات الجراح والضرب المبرح على اجسامهم .

وهكذا كان لأثر التربية الأسرية، ومن الأجواء الطبيعية، وكما عشت بالقرية، ورأيت رؤية العين الوقفة الاجتماعية بالمدينة، الجانب الايجابي في المعاملة من الوسط البيئي، وجهة الطبيعة والنبات والحيوان، دون أن نغفل أولا الانسان، الذي هو محور الحياة بين الأحياء من كل زمان ومكان

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.